الرئيسية / سلايد شو / يوميات مهاجر…(8)

يوميات مهاجر…(8)

يوسف محيسن يكتب من السويد….

يقال الجوع هو اعظم الطهاة، ففي رمضان كل وجبه مفضلة، ماعدا البامية بالنسبة لي.. والجوع وسلطانه يجعل أي وجبة امامك لذيذة ومطربة، ودسمة، لذا فالصوم أكبر من يعطي للطعام نكهة جميلة، أي كانت يدك مغموسة، ولو ملح وكسرة جافة..

من قال أن النهار 12 ساعة؟ أقسم بأنه ذلك اليوم كان 25 ساعة، وكانت الشمس تحاكي السلحفاة، ومن ينكر النسبية جاهل، ابن جاهل، كان ذلك في الابتدائي، محاولة أولى للصوم، وجوووووع أشعرني بأن الماء ليس أصل الحياة، بل صوت تنقيط الماسورة في الشارع والزير كان يأجج أنفاسي، وشعرت بأن أي شخص فاطر هو إنسان سعيد.. وكان يوما حارا، في عز الصيف، فشعرت بالماء، أي شعرت بانه أعظم مخلوق في الدنيا، آه آه آه آه من رقته، من طبعه السائل، من جريانه في الحلوق، نحو إبتلال العروق، وثبوت الأجر، وذهاب الظمأ، كما شعرت.. وبأني مسكون بالف شخص داخلي، شخص صابر، وشخص جائع، وشخص يريد أن يفعل شيئا، وشخص يريد أن ينهزم، وأخر يتحدى هذا، أي العراك الداخلي في النفس الواحدة، أي الحرب التي قال عنها النبي عليه السلام (أعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك)، وحين اقترب الظهر، وبلغ العطش مداه، طار النوم من عيني، وجلست في الغرفة أحسب العروق، وأحسب الشبابيك، وأشعر بحرب إرادة بداخلي، وصار لي سمع غريب، أصغي لكل شئ، كي يلهيني عما جرى فيني، من عضة الجوع والعطش، حتى أذن المؤذن، ومن عجب لم استطيع أن أأكل، بل لقمة، وسطل ماء، ثم تعبت… ولأول مرة في حياتي يعتريني ثالوث المعرفة، اليقظة، والأحلام، والسرحان، ولأول مرة أشعر بتداخل البرزخ، والحياة الأخرى وحياتنا هذه، دار رأسي، بعوالم كثر، شعرت بصفاء غريب.. كأن هناك عالم هنا، بلى، أقول صادقا، في تلك التجربة كانت لذيذة.. رقدت حتى أذان العشاء، وحين صحوت، وهل نمت؟ لا بل كنت نائما صاحيا، وتدخلت الرؤى..

مسجد النور في حارتنا، أصدقاء الطفولة، مسلسل غوار الطوشة، والاستاذ ربحي الذي كان يضربنا لأننا لم نحفظ سورة (عم) رأيته يدخن في المدرسة بالخفاء..

***************

النساء اذا حكمن اخطر من الرجال.. والمشكلة بحتفلوا بعيد المرأة.. خذ نماذج رئيسة وزراء السويد وفلندا بدهم يدخلوا حلف النيتو!

والرداحة مرشحة اليمين المتطرف في فرنسا تعادي كل ما هو غير فرنسي.. تاتشر دمرت جزر الفوكلاند..جولدا مائير هزمت الجيوش العربية.. البسوس ذبحت العرب من الوريد إلى الوريد.. هيلاري كلينتون دمرت ليبيا واغتالت القذافي..!!

 

*************

إنه الضمير يا ولد احرسه جيدا..

يمكن لمن يرغب بصناعة الأباطيل، أن يفتعل منها ما يشاء، غير أنه لن يتمكن من الدفاع عنها، سرعان ما أقدم دليل نذالته،وسرعان ما يصيبه التوتر، وقد يشعر بقذارة سلوكه.

غير أن هذا ليس مهما بالنسبة لي. فدوما ما أقول لنفسي: إن كنت شخصا سيئا في أعماقك، فأنت سيء حتى حين يراك الأخرون جيدا، وإذا كنت شخصا جيدا في ضميرك، نام قرير العين.. الأكاذيب ستتلاشى كرغوة عابرة..

فلن يتمكن أحد من تزوير الحقائق.

من قبل ميلاد آدم ومن قبل ميلاد حمورابي وشرائعه وقبل أن تضع روما فكرة القانون.. خلق الله الإنسان ومنحه تلك الصبغة الداخلية، جهاز استشعار دقيق(الضمير)، ليمنعه من التجاوز على أخيه. تحسس ضميرك..

إنه ضميرك يا ولد، احرسه جيدا،

**************

فقط القابضون على الجمر في فلسطين يستحقون الثناء.

الخوف يولد الكراهية.. ولماذا يخاف ذاك الصهيوني.. وهو محصن في دبابة وجدار عنصري ومدجج بجميع انواع الأسلحة والسترات الواقية من الرصاص والقنابل ومجهز بكل معدات القتل الحديثة والقديمة التي وردت في التوراة والتي اكتشفت في الفيزياء والكيمياء.. يخاف والعالم بأكمله يقف معه من أول أعرابي مرورا “بالمسلم” إلى آخر أمريكي وأوروبي!!

*****************

في وقت الصيام شيء يشبه الحزن..

قبل الأفطار أنسى ان اشتاق أليها.. وبعد الأفطار اسمع ضحكتها وهي تسألني:

هل تعتقد الأرض كروية أم مسطحة.

أجيبها: بل هي مزيج من الأشكال الهندسية جميعها، كروية ومسطحة ومستطيلة ومربعة ولولبية واسطوانية ومثلثة.. الأرض محيرة ولا يمكن اختزالها في شكل واحد، إنها تماما تشبه مزاجك وخصرك احينا…

********************

سألت صديقي العازب عن سبب بقائه عازبا وقد بلغ الأربعين.. فقال: كنت شديد الرغبة في الزواج و أنا في منتصف العشرينات و ذلك لأني أحببت ابنة خالي حبا شديدا.. فطلبت من والدتي خطبتها.. فعلمت بأن أمي أرضعتها حتى شبعت فلم تعد تجوز لي سوى أن تكون أختا..

استغفرت الله العظيم و لم أعد أفكر في الزواج حتى أعجبتني ابنة عمي.. فوقعت في غرامها حتى قررت خطبتها.. فقالت أمي :

” ابنة عمك لا تجوز لك فلقد رضعت من صدري

أيام مرض والدتها حتى شبعت “.

استعذت بالله من حظي البائس.. ولم أفكر في الزواج حتى صادفت ابنة جارنا.. كانت فتاة حسناء جذابة ووالدها رجل من اهل الخير..

فسألت الوالدة أن تطلب يدها.. فجاء رد الوالدة ساحقا ماحقا :

“لا تجوز.. لقد أرضعتها من صدري حتى شبعت حين التقيت والدتها في عرس أحد الجيران..”

فتملكني اليأس و الإحباط بقيت سنين مصدوما من صنيع والدتي التي أرضعت قريتنا وضواحيها مع مراعاة فروق التوقيت.

في احد الأيام زارت قريتنا عائلة كانت من سكان القرية، والأن تقيم في إحدى دول الخليج، ولهذه العائلة بنت تعرفت عليها فاحتفظت بمعلوماتها واستمرت علاقتنا عبر الانترنت واتفقت معها على الزواج وأنهم سسيحضرون إلى القرية العام القادم، واتقدم لخطبتها..

ففاتحت والدتي بالموضوع فقالت: فلانه.. فذهلت وقلت نعم.

لا تجوز يا ولدي أمها زارت القرية، وتركت ابنتها هذه عندنا لبعض الوقت.. جاعت وأخذت تبكي فأرضعتها..

والله يا صديقي.. منذ ذلك اليوم و أنا أعاني من تساقط الشعر من الصدمة… وتعقدت من الزواج..

أنا خايف أموت وأدخل الجنة وألقى أمي الله يرحمها قد أرضعت كل الحوريات.

 

عن محمد محيسن