الرئيسية / كتابات / من تعود على الظلم لن يفهم العدل..

من تعود على الظلم لن يفهم العدل..

محمد محيسن

عندما يكون الخصم هو القاضي لا بد ان ننتظر العدالة من السماء فقط؛ لأن عدالة الارض تكون مرهونة بالمصالح وبالطرف الاقوى، واحيانا بالمزاجية وبالكثير من المحسوبية. وعندما تتوالى الاخطاء، فإن الضحية تكون العدالة بكل مكوناتها، وبكل رموزها ومعانيها ودلالاتها، رغم ان الظلم لا يأتي في بعض الاحيان من الظلم من القاضي، ولكن من ظلم القانون. وبما أن من تعود على الظلم لا يستطيع ان يفهم العدل، فإن الكثير من المظلومين تأقلموا على الواقع، بل باتوا يدافعون عن الظالم وكأنه منزه عن الخطأ. في بلادنا ومؤسساتنا ووزاراتنا انت مرهون بقدرتك على التأقلم مع المسؤول، وبقدرتك على «تسويق نفسك» ولو على حساب الاخرين، وإذا كنت من المحظوظين فإن نصيبك من الغنيمة، يزداد ويتقلص مع تلك القدرة ووفق الامكانيات المتاحة. المصيبة ليس في ظلم الأشرار وتجاوزاتهم، بل احيانا تكون المصيبة الاكبر في صمت الاخيار الذين يعرفون الحق، ولكنهم يؤثرون السلامة (وكفى الله المؤمنين شر القتال ..)، وبما أن نصف العدالة أنكى من الظلم وفق القول المأثور، فإن الصامتين عن الحق يكونون في مواقف كثيرة مثلهم من الظالمين، بل في مراتب أسوأ من ذلك بكثير. وفي المؤسسات الاعلامية ايضا فقد كانت الامور مرهونة بقدرة تلك المؤسسة على التلون، ولكن التجارب أثبتت ان التلون لا يكفي «ومن هنا توضحت الحكمة التي تقول الاستمرار في الاخطاء والتجاوزات ألحقت الضرر بالجميع، بمن فيهم المتلونون وحتى المستفيدون الكبار والمتأرجحون بين هؤلاء وأولئك. ومع استمرار الاخطاء والتجاوزات والاحكام غير الناضجة، فإن الضرر قد يلحق بالجميع دون استثناء بمن فيهم الحكم، ومن يعتقد انه القوي؛ لأن العدل أقل تكلفة من الظلم، كما هو الأمن أقل كلفة من الحرب. يقول أحد الكتاب إن أشد الإصابات التي لحقت بنا خلال العقد الأخير، هو العقم الأخلاقي وغياب العدالة، سواء في العمل أم في الواقع الاجتماعي الذي أصابنا في مقتل. ذلك العقم الذي تجلى بأبشع صوره خلال أخذ ما يجري على الساحة العربية على محمل «التعوّد» من غير أن يعود مؤثرا فينا، إلا بما نشعره تجاه فيلم سينمائي نتابعه بلا رغبة حقيقية في المتابعة. التجارب الحية واليومية التي نشاهدها باستمار. تدعونا نتوقف كثيرا امام اشخاص صعدوا على اكتاف الاخرين، وآخرين حاولوا الوقوف على اقدامهم، ولكن إمكانياتهم في التسويق الذاتي انهارت امام اول المتملقين، وانتهت قدراتهم عند زاوية محددة. وتنتهي القصة بعبار «فلان ما بعرف يسوق حالو»، او «ما عرف يدبر حالو».

عن محمد محيسن