الرئيسية / غير مصنف / استعمار متجدد..

استعمار متجدد..

من مذكرات الجنرال الفرنسي دانتيز الذي كان حاكما عسكريا أيام الحرب العالمية الثانية لأحد البلاد العربية

يقول “لقد كنت امثل حكومة فيشي في ذلك البلد، وكنت على تواصل مع المخابرات الـ “المانيه” …ولكنني في السر، كنت اخدم تحت قيادة ديغول، من اجل تحرير فرنسا من قبضة الاحتلال الألماني ….؟؟

ولكن ما كان يذهلني هو الطبقة السياسية في ذلك البلد، حيث كانوا يتوافدون الى مكتبي، لإعلان الوفاء والتأييد لحكومة فيشي وللألمان وكانت تقاريرهم تصل الى مكتبي مجملها يركز على اتهام بعضهم بالعمالة لبريطانيا وديغول …؟؟

وبالمقابل عندما كان يأتيني البريد السري من ديغول أتفاجئ، ان نفس الأشخاص يراسلون ديغول، لإعلان الولاء والوفاء لفرنسا الحرة ولديغول …ويتهمون بعضهم بالخيانة والتبعية لحكومة فيشي …!!!

لقد كان هؤلاء يقبضون المال من الجميع ، لا فرق عندهم همهم الوحيد إشباع بطونهم التي لا تشبع.

ولكني هنا اتسائل سؤال أخر وكثر عجبا ، كيف استطاعت فرنسا ، البقاء على احتلالها لبلاد أخرى وهي قابعة تحت الاحتلال الفرنسي.

وهل ما زال المسؤولين في بلادنا يعيشون في ظل الاستعمار القديم ، اذا لم يكن الأمر كذلك فهم وكلاء لنوع جديد من الاستعمار.

يقول المفكر الفرنسي جان بول سارتر وهو أول من افتضح هذا الاستعمار المتعدد الأقنعة، والذي يتسلل بنعومة من الصدوع التي يحدثها في الأسوار والجدران وأحياناً في العقول والضمائر.

  لهذا أصبح الاستعمار الجديد، والذي يقترن بما يسمى ما بعد الحداثة، غير مرئي بالعين المجردة إلا نادراً، وعندما يحدث احتلال مباشر، كما هي الحال في العراق مثلاً.

وما زال الاستعمار يعتمد على هذه النوعية من الأشخاص الذي لا يرون الا مصالحهم الشخصية ، ولو كان الأمر غير ذلك لحوكم هؤلاء بتهم اقلها الفساد او الخيانة.

 المفكر الجزائري مالك بن نبي ،  الذي تنبه إلى هذه الظاهرة الوبائية فيقول (أن الاستعمار نفسه يحرص على غرس فكرة التبعية الطبيعية في عقول ابن المستعمرات، بما يسميه مركب التبعية، وهو ما حاول بعض المستشرقين الترويج له، لكن الفرق شاسع بين مركب التبعية هذا الذي يعبر عن حالة ركود وجمود نتيجة تطور نفسي طبيعي تلقائي، والقابلية للاستعمار حالة ركود نتيجة نكسة اجتماعية.

 فإذا كانت أزمة التبعية أزمة نفسية بالدرجة الأولى فإن أزمة القابلية للاستعمار أزمة اجتماعية.

وباعتقادي الاستعمار بكل أشكاله وأنواعه. هو قيد.. ولا فرق هنا سواء كان القيد من حديد او من ذهب .

عن محمد محيسن