الرئيسية / غير مصنف /  إعادة إعمار غزة خطوة لاستكمال حالة التضامن العربي “المشرّف” مع الفلسطينيين

 إعادة إعمار غزة خطوة لاستكمال حالة التضامن العربي “المشرّف” مع الفلسطينيين

 

 

بقلم: الدكتور عصام يوسف – رئيس الهيئة الشعبية العالمية لدعم فلسطين

 

 

ترسم “فزعة” العديد من الدول العربية، والمؤسسات الخيرية، لتقديم الدعم الإنساني لأهالي قطاع غزة عقب العدوان الصهيوني الغادر، في مايو/آيار الماضي، والذي استمر لأحد عشر يوماً، لوحة إبداعية تمتزج فيها جمالية تشكّلات ألوان المروءة ونقاء السريرة، متقاطعة مع تمثلات مساحات الحس الإنساني الأصيل.

 

يظهر ذلك جلياً في مسارعة العديد من الدول العربية، إلى تسخير طاقاتها في تقديم الدعم الإغاثي للتخفيف من المأساة الإنسانية التي صنعتها آلة الحرب الصهيونية، بعدما دكّت آلاف المنازل، وسوّتها بالأرض، وخلّفت على اثر ذلك مئات الشهداء والجرحى.

 

وقد أدت الحرب الهمجية لشدة شراستها إلى تغيير معالم مدينة غزة التي طال الدمار شوارعها الحيوية الرئيسية، والتدمير المهول لقطاع كبير من البنية التحتية، ملحقةً الضرر بشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وبالقطاع الصحي، والاقتصادي، حيث كان من بين أهداف القصف إيقاع الخسائر الأكبر في بنى القطاع ومنشآته الحيوية، إلى جانب البنى العسكرية للمقاومة.

 

وفي هذا الصدد، تشير التقديرات الحكومية إلى أن حجم الأضرار يتجاوز خسائر الحروب الثلاث السابقة، وخصوصاً أن التدمير شمل المنشآت الحكومية والمدنية، والبنى التحتية، وضاعف أزمة الكهرباء، وفي هذا الإطار، قال مصدر في وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة في تصريح صحفي، بأن “عملية حصر الأضرار لا تزال مستمرّة وتحتاج إلى بعض الوقت، لكن التكلفة التقديرية لإعادة إعمار ما دمَّره الاحتلال، لن تقلّ عن 500 مليون دولار كحدٍّ أدنى”.

 

ويلفت المصدر ذاته إلى مفاقمة الحرب الأخيرة لأوضاع القطاع المأساوية، بالقول “نحن ما زلنا نعالج دمار الحرب السابقة (2014)، وعلى الرغم من ذلك، جاءت هذه الحرب لتُلحِق خسائر مضاعفة بالوحدات السكنية والبنية التحتية والمنشآت الصناعية بشكل يصعب تصوّره، بما يعطي دلالة واضحةً على أن الاحتلال يحاول إبقاء الحياة في غزة تسير بالحدّ الأدنى ومحلَّ احتياج دائم ومستمرّ”.

 

وتؤكد على ذلك، تصريحات صحفية صادرة عن وكيل وزارة الحكم المحلي في غزة، أحمد أبو راس، قال فيها بأن “أكثر القطاعات تضرُّراً على صعيد البنية التحتية، هي الشوارع والطرق والأرصفة، ومن ثمّ شبكات الصرف الصحي ومضخّات الصرف الصحي الخاصة بالأحياء والمدن، ثمّ آبار المياه الجوفية وشبكات تصريف مياه الأمطار الموجودة في مختلف مناطق القطاع”، موضحاً بأن “مدينة غزة كانت الأكثر تضرُّراً جرّاء العدوان، باعتبارها المركز التجاري والرئيسي للقطاع، إذ كان هدف الاحتلال واضحاً بتقطيع أوصال الأحياء ومحاولة التركيز على وسط المدينة، وتحديداً حيّ الرمال الشمالي والجنوبي، وهدم البيوت والمحال التجارية والأبراج”.

 

وتُبرز هذه المعطيات حجم الحاجات الإنسانية المهولة، سيما مع إعلان منظمة الصحة العالمية أن حوالي 200 ألف شخص بحاجة إلى مساعدات صحية في قطاع غزة، بعد 11 يوما من الحرب، وتسبب الحرب بنزوح أكثر من 77 ألف شخص فيما تضررت 30 منشأة صحية في القطاع، مع استمرار مخاطر تفشي وباء كورونا، والتي شكلت هاجساً لدى أهل الخير، من حكومات ومؤسسات خيرية، يمكن التطرق لعدد منها من باب العرفان بالجهود التي بُذلت، وما تزال تبذل، تجاه إنقاذ الأرواح، وجبر كسر المصابين، وإيواء المشردين، وقد كانت من أبرزها دولة الكويت، التي استنفرت كافة طاقاتها الحكومية والشعبية والمؤسساتية من أجل نصرة القدس وغزة ومساعدة المتضررين في الحرب.

 

وجاء الموقف الرسمي للدولة واضحاً منذ البدء، من خلال البيان الصادر عن وزارة الخارجية الكويتية المستنكر للعدوان الصهيوني، والذي حمّل الاحتلال مسؤولية عواقبه، لتصدر فيما بعد الأوامر السامية من أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، فور حدوث العدوان، بإطلاق الحملات الخيرية تحت إشراف وزارتي الخارجية والشؤون، والسعي لتغطية المشاريع الخيرية أحياء القدس، وبشكل خاص حي الشيخ جراح، إضافة لقطاع غزة.

 

وعبّرت الكويت أكثر من مرة على ثبات موقفها الرافض للعدوان، كان من بينها استدعاء الخارجية الكويتية السفير التشيكي حين وضع صورته إلى جوار صورة الكيان عبر تويتر، وتوبيخه على هذه الفعلة، ما دفع سفارة بلاده لإصدار بيان اعتذار عن هذه الخطوة، كما توّجت الكويت مواقفها المشرّفة بإصدار قرارات معدّلة للقوانين المناهضة للتطبيع، هدفت لتجريم كل أنواع التطبيع بكل الوسائل سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر أو بشكل وسيط، ومصادقة مجلس الأمة بالإجماع على التعديل.

 

وفي الجانب المؤسساتي، لم تتوانى مؤسسات العمل الخيري والجمعيات عن إطلاق الحملات لإغاثة غزة، فقد انبرت 31 جمعية خيرية غير حكومية على إطلاق حملة تهدف لجمع التبرعات، وكان لافتاً وصول حجم التبرعات إلى ما قيمته 7 ملايين و700 ألف دولار، ما يثبت أصالة أبناء الشعب الكويتي، ووفائهم لقضاياهم القومية، ولدعم أشقائهم، مؤكدين وحدة الموقف المبدئي مع قيادتهم السامية، وحكومتهم الرشيدة، على تبني موقف متقدم على الساحتين العربية والإسلامية بشكل عام.

 

وللدور المصري ريادته كذلك، فقط أطلقت أرض الكنانة حملات الدعم الإنساني، التي كان من أبرزها، توجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتنسيق مع الجانب الفلسطيني في غزة للوقوف على احتياجاتهم وتلبيتها، ليتم على أساسها فتح معبر رفح الحدودي مع غزة بشكل استثنائي لنقل المصابين جراء العدوان، وعلاج عدد منهم في المستشفيات المصرية، إلى جانب تسيير عدد من القوافل المحملة بالمساعدات الإغاثية، فضلاً عن بذل المسؤولين المصريين جهودا استثنائية لبلورة اتفاق لوقف إطلاق النار.

 

وتستمر مصر في مآثرها الإنسانية، حيث أرسلت مؤخراً طواقم هندسية مصرية بمساندة آليات ومعدات ثقيلة بهدف المشاركة في إزالة ركام المباني التي دمّرها الجيش الصهيوني خلال العدوان، حيث من المقرر مساعدتها العمّال الفلسطينيين في إزالة ركام المباني، والمنازل المدمّرة، تمهيدا لعملية إعادة الإعمار.

 

وللدور الأردني خصوصيته، حيث التداخل والتمازج الديمغرافي، والارتباط التاريخي، والترابط المصيري مع الأشقاء الفلسطينيين، ليترجم ذلك على أرض الواقع بالتضامن الشعبي والرسمي مع الشعب الفلسطيني خلال أحداث القدس والعدوان على غزة، وقد تميّز بإقامة جسر لإرسال العديد من القوافل التي تحمل المساعدات الطبية والإنسانية، إلى جانب تعزيز المستشفى الميداني الأردني في غزة بمستشفى ميداني متحرك مجهز بجميع المهام والمعدات والكوادر الطبية اللازمة لمساندة الجهود الطبية في القطاع، بتوجيهات من العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني.

 

وأُطلقت في إطار الفعاليات الشعبية والمؤسساتية العديد من حملات التبرع لدعم الشعب الفلسطيني، من بينها تخصيص غرفة تجارة عمّان مبلغ 200 ألف دينار لدعم صمود أهالي القدس وقطاع غزة في وجه العدوان الإسرائيلي الغاشم، فضلاً عن إطلاق نقابة المهندسين الأردنيين حملة “غزة معا ننصرها”، للتبرع لصالح غزة، بالتعاون مع اللجنة العليا لإعمار غزة، وغيرها من المبادرات والحملات الشعبية الهادفة لدعم الشعب الفلسطيني.

 

وفي الجزائر أعلنت منظمة المحامين الجزائريين إطلاق مبادرة لملاحقة قادة الاحتلال الإسرائيلي في المحاكم الدولية، بالتنسيق مع منظمة المحامين العرب ومنظمة المحامين الفلسطينيين، كما واكبت جمعياتها الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني أحداث القدس، والعدوان على غزة، بالدعم والمؤازرة منذ البدايات، حيث أطلقت مؤسسات خيرية في شهر رمضان، تتقدمها جمعية “البركة للعمل الخيري والإنساني” حملة “مع القدس يداً بيد” للتضامن مع المقدسيين، إلى جانب تنفيذ العديد من المؤسسات الخيرية مشاريع إغاثية في قطاع غزة للتخفيف عن المتضررين من الحرب الصهيونية الغادرة.

 

ولتونس طريقتها في تقديم الدعم المتنوع الأوجه والأشكال للشعب الفلسطيني، حيث باشر مجلس النواب التونسي مؤخراً في إطلاق مبادرة لمناقشة مشروع قانون “تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني”، ومن الجدير ذكره حركية جهود الدبلوماسية التونسية التي نجحت في عقد اجتماعين علنيين لمجلس الأمن، بصفتها عضو غير دائم في المجلس، بهدف التوصل إلى إدانة العدوان الإسرائيلي، فضلاً عن إرسالها المساعدات الطبية والإغاثية لقطاع غزة.

 

كما أن للعديد من البلدان العربية وقفاتها المتميزة الداعمة للفلسطينيين خلال أحداث القدس، والعدوان على غزة، من ضمنها المملكة المغربية التي قدمت المساعدات الإنسانية لغزة، كما بدا لافتاً تقديم الدعم من جانب دول شقيقة كدولة قطر التي أعلنت تقديم 500 مليون دولار لدعم إعمار غزة، وإعلانها مع الكويت إقامة مكتبين فنيين في غزة للإشراف على الإعمار، إضافة للمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، ومملكة البحرين، وغيرها من الدول العربية والإسلامية التي أرسلت المساعدات الإغاثية، ونفذت مشاريع خيرية داخل القطاع لدعم الفئات الأكثر تضرراً من الحرب.

 

ولم تتوقف أشكال الدعم العربي والإسلامي عند تقديم المساعدات المادية، فقد امتلأت ساحات العديد من المدن والعواصم العربية والإسلامية طيلة أيام العدوان على غزة، بالمتظاهرين الذين عبروا عن رفضهم للحرب الصهيونية الهمجية التي تستهدف الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، كما رافق ذلك مبادرات شعبية متنوعة من فنية ورياضية وقانونية، وغيرها، هدفت للتعبير عن الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، ودعم حقوقهم المشروعة.

 

مما لا شك فيه، بأن انتفاضة الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، من أجل حماية المقدسات، وحقوق المقدسيين، والتي جاء العدوان على قطاع غزة كأحد مخاضاتها، قابلها انتفاضة جماهيرية تضامنية مع الشعب الفلسطيني من أقصى الأرض إلى أقصاها، حيث شهدت مدن عربية وإسلامية وعالمية خروج الملايين إلى الشوارع رفضاً للجبروت والغطرسة الصهيونية، والتغول على حقوق الفلسطينيين، بات من الضروري استثمارها في الضغط على دولة الاحتلال من أجل الرضوخ لقرارات الشرعة الدولية التي أقرت منذ عقود حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، وفي حريته واستقلاله، وتقرير مصيره.

 

ولتحديد أكثر دقة للأولويات، فإن الخطوة التالية تتطلب حراكاً حثيثاً من أجل المباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة، والانخراط في ورشة عمل يطلقها المجتمع الدولي، وتقودها دول عربية وإسلامية، بإسناد من المؤسسات الدولية المتخصصة، لتدشين عملية إعادة الإعمار عبر إنشاء صناديق بهدف توفير الطاقات والأموال والمواد الخام اللازمة لذلك، وقبل ذلك كله توفير الضمانات الدولية الحقيقية لاستكمال عملية الإعمار بحسب الخطط التي ستوضع لها، كي لا يجد العدو الصهيوني ثغرة يستغلها بهدف العبث والابتزاز، واللعب بالأوراق السياسية والاقتصادية، كما جرى خلال الحروب السابقة على القطاع، حيث الشيطان يكمن دوماً في التفاصيل.
[١٢:٠٤

عن محمد محيسن