الرئيسية / كتابات / 40 يوما مع “الحلال”..

40 يوما مع “الحلال”..

ايهاب مجاهد

في بلد حرص على عدم وضع شعار عام “الخنزير” على شاشة تلفزيونه الرسمي ووسائل إعلامه المختلفة، حرصا على مشاعر 20 مليون مسلم، أمضينا 40 يوما مع”الحلال” تارة نبحث عنه واخرى يبحث عنا.
ففي بلد المليار واكثر من ربع مليار نسمة، تتنسم رائحة التاريخ، إلى جانب رائحة الطعام الذي يحكي قصص اندماج وتعايش الحضارات، بعيدا عن التصادم..فترى العديد من مطاعم “الحلال” تستقبل المسلم وغير المسلم دون أن تشعر بوجود فرق بينها في تذوق الطعام وذوق التعامل.
لكن لابد للمتوجه إلى الصين وهو يهم باعداد حقيبة سفره لزيارة ذاك الشعب المضياف، ان يسأل نفسه العديد من الأسئلة..ماهي الاطعمة او المعلبات التي يفضل ان يضعها في زوايا حقيبته..تحسبا لمواجهة امتحان الطعام الذي يبدو صعبا للوهلة الأولى وسهلا عند بدء الإجابة عليه.
اما انا فاستعنت قبل إعداد حقائب سفري بخبرة الأصدقاء والزملاء الصحفيين الذين سبق لهم أن زاروا ذلك البلد المتسامح مع نفسه ومع الآخر، ووجهت لهم سؤال الطعام في الصين..اجابة الأصدقاء والزملاء لم تقنعني بعد أن نصحوني باصطحاب بعض الأطعمة في حقيبتي، فقررت أن أخوض التجربة بنفسي بعيدا عن خيارات الأصدقاء.
وبعد ان حطت رحالنا في الفندق الذي أقمنا به نحو 40 يوما شعرت بشيء من الندم لعدم اصطحاب اي من الأطعمة التي اعتدت على تناولها صباحا خاصة عندما علمت أنه لايتوفر في الفندق طعام “حلال”، لكن هذا الندم سرعان ماتلاشى عندما تصفحت كتيب إرشادات وضعه مستضيفونا من المركز الصيني العربي للصحافة في غرفة الفندق والذي يشير إلى وجود العديد من مطاعم الحلال المحيطة بمكان اقامتنا، والمحاطة بالعديد من الجامعات التي يدرس فيها الكثير من الطلبة المسلمين.
ومع مرور الوقت زال الندم وانحلت عقدة الطعام “الحلال” مع ارشادنا إلى مطعم “اسلامي” في الجامعة يؤمه الطلبة المسلمين وغير المسلمين والذي أصبح بمثابة نادي للتعارف وتبادل الآراء والأفكار والحوار بين ابناء  الحضارات المختلفة.
في المطعم الإسلامي تعرفنا على طلبة عرب وصينيين، وتذوقنا طيبة ذاك الشعب الطيب الذي يحب ويحترم الجميع والذي تسعده أبسط مقادير الشكر وأصغر مكونات الابتسامة.
وعرفنا في الصين أن الطعام هو أحد اوجه التسامح في بلد يعج بعشرات الملل والاعراق..وقدمت لنا الصين العديد من وصفات التواضع وحب الآخر، ورد الجميل، والرغبة بتقديم كل مالديها من وصفات لتحقيق التنمية في دول كانت من اسباب تنميتها، على قاعدة وعدم فرض الرأي وحرية الاعتقاد وممارسة الشعائر والعادات والتقاليد.

ومع مغادرتنا للقدر الصيني الواسع، لم ننسى دموع صديقنا الصيني الذي أغرورقت عيناه عندما علم أن أحد المطاعم قدم لنا طعاما غير “حلال” بطريق الخطأ..فاعتذر عن خطأ لم يرتكبه ولم يهدأ له بال حتى ادرك ان ايدينا لم تمتد لغير “الحلال”..

وللصين بقية..

عن لغة الموقع الافتراضية