الرئيسية / كتابات / الحوار الاعمى..!

الحوار الاعمى..!

تفرض طبيعة الاشياء وبديهياتها أن يكون الحوار بين طرفين، ولكن ما يجري في الحوارات العربية، كما يحدث في سوريا، لا يخرج عن نطاق الحوار الأعمى أو الحوار مع الذات.
حتى لو كان هذا الحوار صادقا، على الأقل لخرج المتحاور مع نفسه بنتيجة بديهية أيضا، مفادها: إن ما يقوم به من تجاهل للطرف الآخر وتخوينه، واستباحة دمه، لن يكسبه إلا المزيد من الخسائر، أو المراوحة في ذات المكان على أقل تقدير.
كما أنه لا يمكن أن يسمى هذا الحوار الفاقد لمعناه «حوار الطرشان»،لأن فاقدي السمع يقرؤون بعضهم من خلال العيون والإيماءات، ولغة الجسد. وعليه لا يمكن وصف هذا الحوار، إلا بحوار فاقدي البصيرة الذي يخسر فيه الجميع .
فما جدوى أن يربح طرف وتخسر سوريا كلها؟، وما جدوى التمترس في ذات المكان، بينما الضحايا القتلى أصبحوا مجرد أرقام، والبيوت المهدومة مجرد خسائر حرب، بينما والمهجرون واللاجئون لا معيل لهم ولا مهرب الا الموت.
الحوار الفلسطيني الفلسطيني لا يخرج عن هذا النطاق، فالكل يغني على ليلاه دون انسجام، بينما «إسرائيل» ترقص على أنغام الفتنة، وتطرب على وقع الانقسام، وتفرض منطقها قمعاً وقتلاً وأسرى ولاجئين ومستوطنات.
وفي كل مرة لا نسمع من تصريحات الفرقاء، سواء بين جمهور «فتح» أو جمهور «حماس»، إلا ما يفيد أن القضايا تفرعت ودخلت في دهاليز ودروب غير مطروحة أصلا، وبدلا من تركيز الحوار حول النقاط التي يحتاجها الشعب الفلسطيني المحاصر، يتشعب ويمتد الحوار إلى نقاط جانبية ليس هذا أوان مناقشتها، ويجرى تناسي الأساس الذي انعقد من أجله .
يطرح الكثير من المحللين السياسيين، والمفكرين والخبراء وأصحاب الرأي والمعرفة، سؤالا عن سر فشل الحوار العربي العربي، سواء كان بين فردين أو جماعتين أو حتى بين حارتين، هذا الفشل أتاح الفرصة بقوة لتفاقم ظواهر سلبية كالإقصاء والنبذ وسهولة التخوين أو التجريم .
في الواقع العربي المرير، يتعاطى الكثيرون مع الحوار على أنه ليس وسيلة للتفاهم وتبادل الآراء، بل فرصة لفرض الرأي وعرض العضلات، وإسكات المعارضين والتقليل من شأنهم، ومع تطور الأحداث، بات القصف المتبادل وقتل الخصوم وإبادتهم هو الوسيلة الوحيدة لإتمام الحوار.
سوريا وفلسطين حالتان من الفشل المستمر، ولكن الحصيلة النهائية لما يمكن وصفه بحوار فاقدي البصيرة، تزيد من تعميق الانسداد السياسي، وتغلق الطريق أمام التوصل لمفهوم متحضر للديمقراطية، وتبعد الجميع عن فكرة الإصلاح .. في النهاية سيخسر الجميع حتى اللاعبين من خلف الستار ، والناعقين في بوق الخراب .

عن محمد محيسن