الرئيسية / كتابات / يوميات مهاجر (10)

يوميات مهاجر (10)

يوسف محيسن .. يكتب من السويد

 

نحن مزيفون.. حياتنا مزيفة.. احلامنا مزيفة حتى إسماؤنا مزيفة نخشى ان نقول من نحن فنضطر ان نتخفي تحت زيف مجبرين عليه.. والأسوأ هناك من يحاول فرض زيفه على الاخرين وتحويله الى حقائق وتحويل الحقائق إلى زيف.!
**********
كن سطحي جدا وعش اللحظة لاتلتفت لعقلك بشده وتدفق…
جلست، كان صوت الموج مكتوم، يعلو مع اقتراب ساعة الفجر، والنسيم يزداد كثافة، ونجم وحيد بريقه أقرب للعين من نجوم غاب سناها وغابت في مداها البعيد.
قمر بديع، ساحر ضوءه يطل بكل خفة وافتتان، زاد من سحره انه مقيم فوق بحيرة.
كانت معي تعانق روح هذا المكان والحنين يتدفق في روحها وضحكات تخرج من القلب..
أنه حنين الساعات التي تفصل بين طبيعته وبين ما يقول.. كانت صورة متكاملة لما يفعله البحر والليل والضحك وأغنية لم تكن هي وصبر القمر.
إنها صورة متكاملة بالمتعبين الأشقياء الذين خذلتهم الطرقات وحلم المكان، الذاهبين إلى البعيد البعيد دون رغبة أو اندفاع، السعداء الذين يقعون أسارى اللحظة دون فقد أو خيبات.
مهما تجلت مفاتن المكان وزان سحره في حضرة البحر، يبقى الشتات أقرب مما قد يخاله البعيد عن مداه.
ثمة حزن دفين يملأ هذه الأرض يخنقها منذ الأزل، البحر صوتها، البحر تنهداتها، وحدها من تجعلني أشعر بحزنها الغامض المتأجج في جوفها.
لا أدري كيف للروح أن تصوغ مباهجها ؟

****************

عندما أرجع إلى البيت في
آخر الليل بنصف حياة،
ونصف جواب عن سؤال..
سأحدثك بقلب مشحون
بالخيبات عن تكون البخور في زواياك..
سأكلمك عن موديلات الحروب الجديدة وعن أيجار التاريخ مثل صيوان عزاء..سأحدثك عن مشقة الأنتماء..
فأنا أعرف ولعك الشديد بالحكايات…

***************

اليوم وردتني مكالمه خاطئه، وكانت على النحو التالي:-
ألو
الطرف الآخر: مرحبا
– مرحبا اهلا (الصوت انثوي للغاية نعومة ما تعودت عليها)
الطرف الاخر: أنا دكتوره من مركز للعلاج الطبيعي وأنا أللي رح اتابع حالة طفلك…
– عذرا يا دكتوره، حضرتك متصله غلط..
– إنت عندك طفل من ذوي الإحتياجات الخاصه؟!
-أبدا يا دكتوره لكن أنا ذااتي من ذوي الإحتياجات الخاصه..
– معقول..من شو بتعاني؟!
-أعزب
– كيف كيف؟!
– ما متزوج أعزب…
– وهذا شو علاقته بالأعاقة؟
– العزابي شخص من ذوي الإحتياجات الخاصه، وزي ما في أصحاب الهمم، كمان نحنا العزابيه أصحاب همم وهمم عاليه كمان..
– هههههه (ضحكت ضحكه مليئه بالغنج) وأردفت ضحكتها بعباره (انت واحد بتتخوث)..
– أبدا والله، لكن كلامي منطقي، ولا حضرتك شايفه غير هيك؟!!
-والله من أسلوب كلامك شكلك عندك أعاقه عاطفيه..
– أه والله..
– طيب بعد إذنك ادور على الرقم الصحيح لأن مواعدي معاهم بعد ساعه وأرجع لك.
-أوكي خدي راحتك وبالتوفيق.
– ألو ما عندك مانع يا أستاذ شو اسمك وبعد ما اراجع بينات الحاله ارجعلك اذا ما عندك مانع؟
– لا ابدا…
وما رجعتلي لحد الأن..
تجاهلت حالتي..!

*************

الجميلات هن الطاهيات..
الانوثة قرينة تحضير المائدة..
هناك خشوع لسماع كلام
وهناك خشوع لمائدة صنعتها يداك وكأنها أنزلت من السماء..
أن يبعث الله لك امرأة تعفيك من حرج التغزل بها لتعزمك على مائدة سماوية..
في مثل هذا الأغراء يتحرش الإنسان.

**************

عرفته بغتة.. عرفته دفعة واحدة.. هكذا مثل رصاصة طائشة.
قال: مرحبا
قلت: مرحبتين
قال: نفسي أشرب شاي!
قلت: هنا أم في مقهى؟
قال: هناك على كتف تلك البحيرة.. عندي حكي كثير..
ترك السكر يذوب على مهل من الخجل.
قلت: اشرب الشاي
قال: الوقت لا يسمح بذلك
— بتعرف أن لاشيء حقيقي غير الكذب..
—وما الذي دعاك لتقول هذا؟
— قصة فرعون موسى.. عندما حرر الفراعنة بلدهم استبعدوا اليهود كرد فعل على تعاونهم مع المحتلين، لذا لم يكن لليهود ذكر فى تاريخ، فهم خدموا الأعداء وأصبحوا عبيدا..
—بسبب قصة فرعون موسى ظلم التاريخ جميع الفراعنة.. أعتقد انهم كانوا عظماء انجزوا لشعوبهم مالم ينجزه فراعنة هذا العصر.. فاختزال هذا الإرث فى حادثة عابرة في التاريخ.. فيه ظلم لهذا التاريخ.
أنه خطاب تقديس التاريخ.. لصوص التاريخ مثل لصوص الدين مثل لصوص المال العام
ينام اللص والمحتال في الليل وفي الصباح يتحول الى كاهن أو مصلح، أو مؤرخ..
-هناك معامل ومراكز أبحاث متخصصة في تحويل هؤلاء من الادوار القديمة الكلية الى استعراض الكذب، وهو دوره الحقيقي المخفي..
بالطريقة نفسها التي يتم فيها اختيار وتصنيع سلعة، كما هو الأمر في صناعة الاحذية، والدمى.
خربانه يا صديقي.

*********************

كان المدير في نهاية كل يوم يسأل موظفيه.. كم زبون بعت اليوم؟
فكانت النتائج متقاربة لكل الباعه إذ تراوحت ما بين 40 زبونا إلى 45 زبونا لكل الباعه عدا (مفلح) والذي ما أن جاء دوره قال للمدیر بعت لزبون واحد!!
غضب المدير غضبا شديدا وقال له لابد أن تتعلم كيف تخدم الزبائن وتتفانى في خدمتهم حتى تكسبهم، بكم بعت يا مفلح؟
مفلح: 300 ألف دولار!
قفز المدير من مكانه وقال: ما الذي بعته بهذا المبلغ الضخم؟
مفلح: أتاني زبون بعته صنارة صيد، ثم نصحته بالصيد بمنتصف البحيرة لا على الشاطئ حيث تكثر الأسماك في المنتصف، وبذا بعته قاربا للصيد ثم سألته بماذا سيسحب القارب إلى البحيره فأجاب بأنه لا يعلم فبعته حمالة قارب متحركه، وسألته عن نوع سيارته فوجدتها سياره سيدان بمحرك صغير، فبعته سياره كبيره قادره على سحب القارب،
ثم نصحته بشراء شبكة
صيد بدلا عن الصنارة طالما أنه يستخدم قارب الصيد فبعته إياها، ثم نصحته بالتخييم على شاطئ البحيره طالما سيصطاد السمك فبعته خيمه وشوايه ليشوي عليها السمك، وبذا بعت بهذا المبلغ الكبير.
قال المدير: انت تريد أن تقنعني أن الرجل كان يريد صناره وأنت بعته كل ذلك؟
قال مفلح: في الحقيقة الرجل كان يريد أن يشتري فوط ألويز بالأجنحة لزوجته لأن عندها الدورة..
فقلت له طالما أن المكينة خربانه لماذا لا تقضيها في صيد السمك.

 

عن محمد محيسن