كتب محمد محيسن
يحتفل العالم في كل عام بعيد الأمهات بالإزهار تارة وبالأغاني تارة أخرى، الا ان العيد في مخيمات الشتات الفلسطيني، ما هو الا شريط من الذكريات المرة اختلطت بأمنيات العودة .
فالعيد هنا في المخيمات حكاية من النضال والصبر.. أجمل الأمهات تلك التي تربي ابنها لتزرع بداخله حب لوطن، وتمنحه الثقة بالنفس وتبقي بريق الأمل حاضرا رغم الألم الذي يعتصر قلوب.
على اطراف المدينة الواسعة، ورغم تحول المخيم الى مدينة صغيرة تجتمع نساء الحارة في بيت ام يحيى، ليتذكرن الماضي بتفاصيله الدقيقة وليخططن لأبنائهن المستقبل، ولكن معاناة الحاضر، تفرض عليهن الغوص في تقلبات الحياة اليومية، التي باتت أشبه بشبكة من العقد تعيد مجرى الحديث الى امنية او حكاية تقارن الماضي بالحاضر.
تقول السبعينية ام يحيى التي لجأت كغيرها من العائلات الفلسطينية الى مخيم سوف في مدينة جرش الاردنية لـ”وفا”، ان ابنائها الذين غادر جزء منهم المخيم حاولوا إقناعها بالخروج من المخيم، الا أنها أصرت على البقاء، لتبقى بالقرب من إقرانها من النساء اللواتي عايشن تجربة اللجوء ومرارته.
ام يحيى التي تمتهن التطريز تؤكد انها ليست بحاجة الى المال ولكنها احد الوسائل التي تجعلني على تواصل مع الماضي وتشعرها بمتعة خاصة .
وتضيف ام يحيى التي خرجت من البلاد بعمر الست سنوات انها لا زالت تتذكرة ملامح من قريتها عجور ، الا ان ذكرياتها اللاحقة كانت في الخيام ، حيث البرد والجوع والعطش وسنوات القهر التي شكلت جزء مهم في تركيبتها لتمنحها الصلابة.
وعندما سألناها عن عيد الأمهات ابتسمت بلطف وقالت العيد في “البلاد غير” ، وأردفت، لا اعرف عن هذا العيد كثيرا، ولكن يمكن ان أخبرك بشيئ مهم هو ان أمهات فلسطين في الشتات، نقلن الوطن الى المخيم وحتى تلك التي اضطررن للخروج من المخيم، كان لهن الفضل في مساعدة الزوج والأبناء على إكمال مشوارهم التعليمي والمهني، فاخرجن جيلا متعلما حاملا لرسالة العودة .
وتضيف : كنت أعيل مع زوجي اسرة من ثمان أفراد ، حيث تعلمت التطريز من امي التي رحلت منذ عشرين عاما، إضافة إلى قيامي بأعباء المنزل اليومية ، فاذا والحديث لام يحيى، العيد يليق بنساء فلسطين اينما ذهبن في مشوار الغربة .
وعلى مقربة من ام يحيى سئلنا السيدة زينب ام فراس التي تعمل في مركز الأيتام في المخيم عن سر هذا التمسك بالماضي وعن العيد، وعن الظروف التي تعيشها النساء في المخيم فقالت: ، لولا النساء والأمهات ما كان هناك اثر للذكريات، وربما لتناسى هذا الجيل بان هناك وطن ضائع.. فالرجال مشغولون عادة بلقمة العيش التي تزداد صعوبة يوما بعد يوم، الا ان إصرار الأمهات على تربية جيل يحمل فكر العودة وتعلقهن بالتراث الفلسطيني الأصيل أبقى فلسطين قضيتها متوجهة في الأعماق .
وأضافت: “وبالرغم من أن المخيمات شكلت بؤر “فقر وقهر”، فإنها شكلت في الوقت نفسه بؤر ثورة وتمرد على الواقع، وأصبحت نماذج لعزة الإنسان الفلسطيني وكرامته، وحرصه على هويته ورفضه للتوطين وتطلعه للعودة. ولذلك كانت المخيمات الفلسطينية حاضنة أساسية للتراث الفلسطيني والثورة الفلسطينية، وكان أبناء المخيمات من أكثر المبادرين وأسرعهم في المشاركة في مجالات العمل الوطني” .
قصص كثيرة يمكن سردها عن نساء المخيمات الفلسطينية في الشتات، فهن ذقن الأمرين اسوة بالرجال ويمكن تلخيص ابرز المشاكل التي تعاني منها النساء في الظروف المعيشية لفلسطينيي الشتات في فرص العمل المتاحة لهم، حيث أن العمل هو مصدر الدخل الرئيسي. حتى أن العائد لهم لا يكاد يكفي إلا القليل، ولا يسمح لهم بأي محاولة للتطوير الدخل.
فتقارير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الانروا) تورد نسبًا عالية من العمال غير المهرة المشاركين في القوى العاملة، ونقص كبير في الادخار وانعدام في شبكات الأمان الاجتماعي..
كل ذلك يرتبط بشكل مباشر بوضع المرأة نفسها وبنقص مؤهلاتها التي تسمح لها باقتحام سوق العمل. ونلاحظ التباين بوضوح بين الواقع العملي للمرأة اللاجئة في المخيم، والمرأة غير اللاجئة المقيمة في البلاد العربية أو في العالم الغربي.