الخير لا يحتاج الى تبرير

على الرغم من أن معرفة السبب تبطل العجب، ألا أننا ورغم معرفتنا الظاهرية لتصرفات ومواقف بعض الأفراد نبقى حائرين وتبقى علامات التعجب التي تملأ رؤوسنا لتتحول الى صدمة.
ولا أدري لماذا صرنا نضيق ذرعا ونصاب بالاختناق عندما نقرأ أو نسمع تحليلا معمقا للظواهر التي نعيشها، والتي تدعونا للتمزق حزنا ولكننا لا نتحرك غضبا.
قبل أيام اضطر نقيب المهندسين لتقديم تبرير حول تصرف يعبر عن مروءة وكرم نبل الشعب، وهو تصرف طبيعي يعبر الواجب الذي تفرضه روابط الدم والأخوة.
النقيب الذي كان يتحدث في احتفال تكريمي للصحفيين قال موجها خطابه لهؤلاء»ان الأموال التي تقوم النقابة بتقديمها الى قطاع غزة ومدينة القدس، لا تدفعها النقابة من جيبها بل تعمل على جمعها وفق حملات خيرية تنظمها النقابة».
الغريب في الموضوع هو إصرار النقيب الذي كان يتحدث بلغة المبرر على ان النقابة لا تدفع من جيبها مليما واحدا، بالرغم من ذلك يؤكد ان أسهم الاتهام تحاصر المجلس والأقاويل تنطلق عن تبذيرنا لأموال الزملاء المهندسين.
بالقدر الذي حمل كلام النقيب الكثير من علامات التعجب، أشعرنا نقد الاخرين لعمل الخير ان هناك فقدان توازن بين العقل والقلب وبين القوة والعدل.. هؤلاء الذين أخذتهم العزة بالاثم خلعوا عن انفسهم حتى ورقة التوت التي تستر العورة، ولا تفرق بين الأخلاق والابتذال.
سيدي النقيب انت لا تحتاج الى تبرير لعمل الخير الذي تقوم به النقابة، بل هم من يحتاج الى تبرير لسبب فقدانهم ماء وجهوهم، كما يحتاجون الى فحص كريات النخوة والشهامة في دمائهم.
هؤلاء القادمون من الحقبة العربية الصفراء التي كثر فيها الخنوع والابتذال والتردي، لا يجيدون إطلاق أي شيء غير المبادرات الممنوعة من الهضم، والاتهامات المعلّبة التي فقدت صلاحيتها منذ تململ الشارع العربي باحثا عن بقايا كرامة.
هؤلاء وحدهم من يفسر السر في التخاذل والخنوع التردي الذي يجعلنا ننتظر بوجع للقدس دون ان نفكر في معنى الكرامة ومعنى النخوة ومعنى ان نحافظ على هويتنا وصورتنا التي تشوهت حتى لم يعد شكل..
هناك في القدس فقد هؤلاء كرامتهم كما فقدوا قبل ذلك عذريتهم في غزة وباتوا يعملون بلا أخلاق وبدون قيم.
للعلم المبلغ الذي جمعته النقابة (320 ) ألف دينار، وهو أقل كثير من القيمة التي تبرع بها احد الأمراء العرب نقل حيوان انجليزي الى مزرعته الخاصة.