الرئيسية / كتابات / الانقلاب الفاشل والمأزق الأمريكي

الانقلاب الفاشل والمأزق الأمريكي

حازم عياد

ما زال مقال «كونيل تول» متصدرا غلاف مجلة «فورن افيرز» الأمريكية والمعنون «تركيا الانقلاب القادم»، وبإمكان القارئ ملاحظته بسهولة بمجرد الوصول إلى الرابط الالكتروني للمجلة؛ المقال تحليل متوازن وعقلاني لإمكانية وقوع انقلاب في تركيا من وجهة نظر كاتبه الأمريكي خصوصا وانه يمتلك مصادر قوية ومطلعة؛ إلا أن المقال لم يناقش تداعيات الانقلاب سواء فشل أو نجح على السياسة الأمريكية.
التداعيات تظهر إرهاصاتها في مجلة «فورن بولسي» التي ظهر على غلافها ثلاثة مقالات أولها بعنوان «اردوغان ليس لديه من يلومه إلا نفسه»؛ أما المقال الثاني فمعنون «لماذا فشل الانقلاب العسكري في تركيا»، في حين أن المقال الثالث جاء تحت عنوان «اردوغان يلقي اللوم على الأشباح والظلال»؛ المقالات السابقة للانقلاب التي تليها تظهر على أغلفة أشهر مجلتين مختصتين في الشؤون السياسية في أمريكا ومقربتين من صناع القرار والمؤسسات العسكرية؛ وهما تعكسان حالة القلق والعجز والتوتر لدى الإدارة الأمريكية وصناع القرار في أمريكا؛ فأمريكا تتلقى اللكمات الآن دون أن تستطيع الرد مباشرة سوى اتهام الأتراك واردوغان بأنه المسؤول عما حدث وهي لغة إشكالية جدا.
أما الإعلام الأمريكي فيظهر قدرا اكبر من التوتر، فعلى فضائية الحرة الموجهة للعالم العربي ظهر عنوان «انقلاب عسكري أم إسلامي»؛ نوقشت فيه تداعيات الانقلاب الفاشل وأسبابه وحقيقته التي لم تخلُ من محاولة الادعاء بأنه مفتعل من قبل محللين وخبراء؛ متبنية بذلك وجهة نظر فتح الله غولن المطلوب للسلطات التركية الآن؛ توجه تسلل إلى اغلب وسائل الإعلام الأمريكية بطريقة أو أخرى.
محاولة للدفاع والمساومة تعكسها التقارير الصحفية التي تركز هجومها على الرئيس التركي في الوقت الذي تشن فيه حملة واسعة على الانقلابيين وداعميهم لتطال مراكز وبؤر النفوذ الأمريكي؛ فاغلب المستهدفين داخل المؤسسة العسكرية على صلة جيدة بالإدارة الأمريكية والحال ذاته مع السلطات القضائية وغيرها التي لها أيضا امتدادات نجدها في دول أوروبية كبرى مستاءة من تداعيات فشل الانقلاب المحتملة.
المعركة محتدمة ولكنها لم تبلغ ذروتها رغم قطع الكهرباء عن قاعدة انجرليك واللغط الدائر حولها وحول التواجد العسكري الأمريكي المنتشر على ما يقارب الـ25 قاعدة عسكرية بعضها بالقرب من البحر الأسود؛ بإطلالة واسعة على المشهد في القوقاز وروسيا عموما وإيران إلى جانب الدرع الصاروخي ممثلا بالرادارات الأمريكية المنصوبة هناك.
أمريكا قلقة على مصالحها ونفوذها واجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي لم يكن عبثا بعيد الإرهاصات القوية لفشل الانقلاب؛ فاردوغان وحكومته اقل ميلا للاعتماد على الولايات المتحدة لمواجهة التحديات الداخلية على عكس العسكر الذين كانوا بحاجة إلى شرعية دولية تدعم خطواتهم المتهورة في حينه.
تسوية الخلافات الأمريكية التركية تحتاج إلى وقت ولكن في هذه الأثناء فإن أمريكا مستاءة بالتأكيد من عمليات التطهير الواسعة في المؤسسات الأمنية التركية التي تربطها بقادتها ومسؤوليها علاقات وطيدة وعميقة؛ مفاقما بذلك القلق الأمريكي ومشعرا الولايات المتحدة بعجز كبير مقابل شعور روسيا بارتياح عظيم.
الخطوة الانقلابية كانت مغامرة فاشلة ومحاولة احتواء تداعياتها كانت مستحيلة خصوصا بعد إعلان اردوغان من مطار اسطنبول عن البدء بحملة تطهير الدولة من العناصر التي تهدد الديمقراطية والحكم المدني في البلاد؛ المأزق الأمريكي قد يتسع فالهواجس الأمريكية عن حالة مشابهة في دولة إقليمية كبرى في المنطقة بدأت منذ مده بإعادة النظر في هيكلة اقتصادها وسياستها وبنيتها الداخلية ما يعني أن النفوذ الأمريكي يتعرض لتهديدات اقل ما يقال فيها إنها عميقة وجذرية من الممكن أن تفجر مفاجآت جديدة وتدفع الولايات المتحدة إلى الارتباك وارتكاب المزيد من الأخطاء.

cialis black 800mg pills

motilium xarope

عن محمد محيسن